مدام «كوكي» هي السبب
مدام «كوكي» هي السبب
وأخيرا خرجت «بنت الفشوش» عن صمتها، وأعطت حوارا لإحدى الجرائد تشرح فيه تفاصيل «محاولة القتل» التي تعرضت لها على أيدي مستخدميها في القنيطرة، وكيف أنها احتمت بسيارتها ودافعت عن حياتها بصدم تسعة منهم وتكسير عظامهم. ولو أن ذلك كلفها تكسير زجاج الجاغوار.
عندما أنهيت قراءة حوار ليلى بن الصديق، خرجت بنتيجتين. يا إما أن البنت فعلا تحتاج إلى علاج، ويا إما أنها لجأت إلى الحيلة المغربية القديمة التي تقول «هبل تربح» لكي تعطي عن نفسها صورة البنت التي لا تعرف ماذا تخرج من فمها، لكنها في الواقع «حساسبية» وتعرف جيدا ماذا يخرج من جيبها.
والمثير في رواية ليلى بن الصديق لحادث دهسها لمستخدمي شركتها أمام محطة القطار في القنيطرة، هو أن السبب في تكسير عظام المستخدمين التسعة ليس كونها صدمتهم بالجاغوار، وإنما هم من ارتمى فوق السيارة و«شتفو» فوقها وكسروا زجاجها و«بغجو» جوانبها. ومن يعرف المواد المعدنية الفولاذية التي تصنع منها سيارات الجاكوار، سيصعب عليه أن يقتنع بأن عظام هؤلاء المستخدمين التي تفتقر إلى الكالسيوم هي التي «بغجت» سيارة ليلى.
المفيد في «خرجة» ليلى بن الصديق الإعلامية هو أنها تخبر الرأي العام بأنها تمارس رياضة التيكواندو لكي تدافع عن نفسها. وتنصح بعدم الخوف منها لأنها «محزمة» فقط بالسمطة «الليمونية». ولا بد أن بعضكم سيقول متسائلا «هادي عندها غير الليومونية وشوف آش دارت، نهار تحزم بالكحلة غادي تخربها».
والواقع أن ليلى بن الصديق امرأة متعددة المواهب. فبالإضافة إلى ممارستها للرالي بسيارة الجاغوار ورياضة التيكواندو، فهي أيضا امرأة حساسة وتعشق الموسيقى، خصوصا موسيقى «الخاسر». فهي حسب ما قالته عادت إلى المغرب من فرنسا و«سمحت» في وظيفتها في شركة «فيفاندي أنترناسيونال» فقط لكي تستمتع بموسيقى «الخاسر» وأغنية «فين غادي بيا خويا» لناس الغيوان.
ومن شدة حبها لأغاني «الخاسر» فإنها رفعت شعارا جديدا لم يرفعه أحد من قبلها يقول «عاش الخاسر وكارلوس». وهي طبعا لا تقصد بكارلوس خوان كارلوس ملك الصبليون، وإنما تقصد ذلك «الكانيش» الصغير الذي تحمله معها أينما ذهبت، والذي خافت عليه من الإصابة بمرض «الستريس» عندما رأى أجساد المستخدمين التسعة مرمية في الطريق.
وفي شرحها لأسباب حبها للخاسر وفرقة «هوبا هوبا سبيريت» قالت أنها تحب أغانيهم لأنهم ليسوا كلابا تنبح، ولأنهم يتكلمون بالدارجة. وهنا نفهم عمق المثل المغربي الذي يقول «اللي ما عرفك خسرك». فليلى بن الصديق رغم مظهر «بنت الفشوش» الذي توحي به، كبرت مع الشعب. وهي تعترف بأنها كانت دائما «تتسارى مع العساسة» قبل أن تعود إلى البيت لتدرس وتستمع إلى الموسيقى.
وليلى لديها الجواب عن كل الأسئلة والاتهامات التي «مرمدت» اسم عائلة بن الصديق في التراب، كما تقول. وبالنسبة لتهمة حيازة واستهلاك الحشيش التي تتابع بها، فقد قالت مستغربة «ويلي ويلي ويلي، عرفتي أشنو دارو ليا، راهم خباو ليا الحشيش فصاكي داك النهار».
فيبدو أن أحدهم كان يتربص بليلى الدوائر وكان على معرفة بأنها ستفقد أعصابها وتدوس على مستخدميها وأن الشرطة ستعتقلها لتحقق معها، ولذلك دس في «صاكها طرف ديال الحشيش» حتى يضيف إلى تهمها تهمة حيازة واستهلاك المخدرات. إذ كيف يعقل أن رياضية من حجم ليلى بن الصديق، تتحزم بالسمطة «الليمونية» ستجرؤ على تدخين الجوانات. «ما جاتش».
أجوبة ليلى بن الصديق واضحة ولا «غبرة» عليها. فهي ليست حمقاء ولا مدمنة، بل رياضية وعاشقة للموسيقى «الخاسرة». والسبب في كل ما وقع هو سيدة تتهمها ليلى بتزوير توقيعها والمماطلة في دفع رواتب المستخدمين، وحتى بانتشار الدعارة في شوراع المدن. فمدام «كوكي» هي المسؤولة عن هذه الفضيحة حسب ليلى. ولذلك فهي عندما تأتي على ذكرها تدعو لها قائلة «الله يقطع ليها الجذر». ومن جابنها فقد قامت ليلى بن الصديق بواجبها ونصحت «مدام كوكي» بعدم التعامل مع «الناس ديال دوك الجوايه»، وتقصد جهة الغرب سيدي يحيى، لأنهم «شوية صعاب»، لكن «مدام كوكي» ركبت رأسها، وعندما عادت ليلى من فرنسا وجدت أن «الفاس وقع في الراس»، فكملت عليهم بالجاغوار و«اللي ليها ليها».
ويبدو أن مدام «كوكي» هذه شخصية خطيرة حسب ما تروي عنها ليلى بن الصديق. فحتى والدها المحجوب بن الصديق الذي حار معه الحسن الثاني عندما كان الصراع بين الاتحاديين والقصر على أشده، ذهب، مسكين، ضحية لعجرفة «كوكي». وبالنسبة إلى ليلى فوالدها رجل حنون معها إلى أقصى الحدود. أي إلى الحد الذي فوت لها صفقة حراسة مقر الاتحاد المغربي للشغل بمبلغ 660مليون سنتيم.
ولكم أن تتخيلوا «كوكي» هذه التي تستطيع أن تتحايل على مئات المستخدمين في الشركة وتزور توقيع المديرة، وأن «تشهم» ليلى بن الصديق بكل ذكائها وشواهدها التي حصلت عليها من باريس، وتهزم بعجرفتها المحجوب بن الصديق الذي ترتعد الحكومة من نقابته «العتيدة». لا بد أن تكون هذه المرأة «واعرة» بالفعل، وليس «حمارة» كما نعتتها ليلى بن الصديق في «خرجتها» الإعلامية.
أعتقد أن هذه الخرجة الإعلامية ستخرج على «مولاتها»، لأنها تكشف فعلا أن البنت ليست على ما يرام. فهي تعترف بدون إحساس بالذنب أنها تعطي الرشوة لرجال الأمن في الميناء لكي تسهل دخول مستخدمي شركتها للعمل. وفي نظرها فمستخدموها أناس «ضريفين» و«مساكن والله يعمرها دار»، وحتى الذين لم يتوصلوا برواتبهم فإنهم سيتوصلون بها، وهي الآن تقوم بعد النقود ووضعها في الأظرفة لكي تسلمها لهم، أما «كوكي» فإنها لن ترفع بها دعوى قضائية بل تكتفي بدعوتها إلى الله.
هكذا فالبنت بريئة من كل ما نسب إليها، فالحشيش الذي تتابع بحيازته واستهلاكه وضعوه لها في «الصاك»، والعمال الذين صدمتهم وحاولت قتلهم هم في الواقع من حاول قتلها، فهي لم تفعل سوى الدفاع عن نفسها، ولذلك فالأولى بالمتابعة هم المستخدمون الذين «شتفو» على سيارتها وكسروا عظامهم فوق فولاذها. و«زايدون» المستخدمون الذين انتفضوا ضدها سبق لها أن حذرت «كوكي» من تشغيلهم لأنهم «صعاب»، لكن «كوكي» لم تسمع الكلام، وها هي النتيجة.
بقي فقط أن تطالب ليلى بن الصديق بتعويض عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بسيارتها الجاغوار بسبب رؤوس هؤلاء المستخدمين «القاصحة». وأيضا بتعويض محترم للكانيش «كارلوس» بسبب «الستريس» الذي أصيب به جراء رؤيته لمنظر المستخدمين مشتتين فوق الطريق. وأيضا بتعويض لوالدها المحجوب بن الصديق زعيم الاتحاد المغربي للشغل الذي جرجرت هذه القضية اسمه واسم نقابته في التراب. خصوصا في هذه الأزمنة الصعبة التي توقف فيها حمار الحوار الاجتماعي في العقبة.
ماذا لو ظهر عباس الفاسي في التلفزيون وقال أمام ثلاثين مليون مغربي بأن السبب في فشل الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات هو مدام «كوكي». وأن السبب في تخلي المغرب عن تحقيق رؤية 10 ملايين سائح في أفق 2010 هو مدام «كوكي». وأن تسريح 50 ألف عامل في قطاع النسيج إلى حدود الآن كانت وراءه مدام «كوكي». وأن السبب في فقدان المغرب لخمس نقط في سلم الجاذبية الاقتصادية بمؤتمر «دافوس» الأخير الذي يتحمل المغرب مصاريف أكله وشرابه، سببه مدام «كوكي».
فالحل الوحيد لحل المشاكل في هذه البلاد ليس هو الاعتراف بها وتحمل مسؤوليتها، بل تصريفها وتعليقها على ظهور الآخرين. فالخطأ لا يأتي منا أبدا بل دائما يأتي من الآخرين. وفي كل مؤسسة وشركة ووزارة هناك مدام «كوكي» تصلح كمشجب لتعليق أخطاء المدراء والرؤساء والوزراء. هؤلاء المسؤولون المنزهون عن الخطأ، الذين لا يسرقون مستخدميهم ولا يضربونهم ولا يطردونهم لأتفه الأسباب.
باختصار هؤلاء الملائكة الذين تحاول مدام «كوكي» تلطيخ أجنحتهم البيضاء وجرجرة ريشها في التراب.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى