salahsoft
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

يوميات وأسفار

اذهب الى الأسفل

يوميات وأسفار Empty يوميات وأسفار

مُساهمة  Admin الثلاثاء يوليو 15, 2008 4:32 am

يوميات وأسفار

منذ الأشهر الأولى لعملي الجديد وأنا أنتظر سفرا إلى مكان ما. لا أعرف إلى أين، ربما أعود من جديد إلى إسبانيا. الأرض التي تحولت فيها إلى فلاح وعامل بناء وطباخ بسرعة عجيبة. هنا أشعر بالاختناق. العمل شيء غير مسل، خصوصا إذا كان مع أشخاص مملين. أشخاص لديهم تضخم في الذات. يعتقدون أن الجميع يعرفهم ويحترمهم. بينما بعضهم في الواقع أقرب إلى الحشرات منهم إلى الآدميين. السفر إلى إسبانيا يمنحني رائحة حقول البرتقال. كلما شاهدت طلوع الشمس تذكرت إفطاراتي العديدة في الحقل أمام كومة من الخشب وهي تحترق بانتظار مقدم النهار. لدي بيت قليلا ما أنام فيه. أنام في بيوت الآخرين. هذا أحسن. سيظل سريري مرتبا على الأقل. عكس أفكاري تماما.
في العمل أكسب احترام الناس أكثر فأكثر. لدي أعداء تافهون يبتسمون في وجهي كل صباح. وبما أنهم تافهون فإنني أبادلهم الابتسام الممزوج بالكراهية. اليوم أتوا بموظفة استقبال جديدة. ابتسامتها ضيقة. جلست أمامي على مائدة الأكل في المطعم. وتحدثنا باقتضاب، يذهبن ويأتين هؤلاء الموظفات التعيسات، أحدهم قال لي أن شروط عملهن صعبة، اللواتي يمكثن يقبلن بالشروط. وهي شروط مهينة طبعا، تبدأ بالمصافحات وتنتهي في المكاتب المغلقة، واللواتي يذهبن يفعلن ذلك من أجل كرامتهن، الكرامة. سبق أن رفضت الدوس فوق هذه الكلمة ذات يوم.
في العمل أكتب تقارير، حول حروب لا تخصني كثيرا، حروب تحدث في أطراف العالم، ضحاياها لا أعرفهم، أتعرف على ملامحهم في الصور التي تبعثها لنا الوكالات مقابل مبالغ باهظة، أقول عنهم كلاما سخيفا لا يتناسب مع مأساتهم أحيانا، وأحيانا أشعر أنني كتبت عنهم بشكل شاعري، بين يوم وآخر أبحث عن مشاكل في الجرائد وأذهب لتصويرها. الناس يعتقدون أن التلفزيون يحل المشاكل. لكنهم جبناء.
يفكرون في شيء وعندما يفتحون أفواههم ذات الأضراس المنخورة يقولون أشياء أخرى تماما. يفقدون غضبهم ويشرعون في التزلف والتوسل للمسؤولين، ويطلبون الرحمة والصدقات عوض المطالبة بحقوقهم.
نيكول لا تفهم هذه «الموهبة» التي يمتاز بها المغاربة. تقول بفرنسيتها المعجونة ببقايا ألمانية أنها لا تفهم لماذا يقول المغربي نعم عندما يفكر في قول لا، أنا أيضا لا أفهم ماذا تصنع هذه الألمانية في الرباط. ماذا يهم جرمانيا أن المغاربة ينامون ويستيقظون، يتناسلون ويتكاثرون، يؤسسون الأحزاب ويصدرون الجرائد. يهاجرون سرا على ظهور المراكب ويعودون بعد سنوات على ظهور سيارات فارهة بأحذية رياضية وشعر مدهون بالمرهم. ليست هناك عقدة أكثر غرابة من أن تخلق مغربيا. لا أحد سيفهمك. بما في ذلك نفسك.
ستتعب مراكز الرصد وتتبع الظرفيات في معرفة درجة وعيك.
ستتعب المنظمات الحقوقية العالمية من الدفاع عن حريتك. سيفشل الجميع في معرفة السبب العميق الكامن وراء عشق الشخصية المغربية لارتداء معطف الشيزوفريني. يقف أمام المرآة ويشتم نفسه كل صباح وفي العمل يقف أمام مستخدميه ويشتم أمهاتهم جميعا.
بيتي يوجد في آخر الزقاق. في الواقع ليس بيتي، لأنني أدفع كل شهر لصاحبه نصف راتبي. صاحب البيت جندي سابق. حارب في فيردان والريف والهند الصينية دون أن يعرف السبب بالضبط. لكنه يفتخر بكونه خرج من كل هذه الحروب كاملا. يقصد بأعضاء كاملة. زوجته الريفية التي تحمل أوشاما كثيرة على أطرافها تنظر نحو الجميع بحذر. لديهما ابن في سن الزواج يفتخران بكونه يدرس في معهد البيطرة. تردد الأم أنه سيصبح طبيبا عندما سيتخرج. وتمتنع عن ذكر الحيوانات. طبيب الحيوان شخص مثالي في نظري لأنه يعالج كائنات لا تلجأ إليه. لا تذهب بالوصفة إلى الصيدلية ولا تحتاج أن تنخرط في الضمان الاجتماعي. ما أروع أن تكون حيوانا أحيانا.
تأخرت عن العمل هذا الصباح. القطار لا يحترم مواعيده. صوت ما يرتفع من المكبر بمحطة المحمدية يقول بكلمات سريعة وغير واضحة أن القطار سيتأخر نصف ساعة. يقولها بالفرنسية ويختم بميرسي كالعادة. سأضع حقيبتي فوق الكرسي وسأظل واقفا. عكس ما يصنع الآخرون. يضعون الحقيبة فوق الأرض ومؤخراتهم فوق الكراسي. الحقيبة يجب أن تستريح هي أيضا. نسيت أن أفرغها من جرائد الأمس. لابد أن الأخبار تقادمت داخلها. والجثث التي جاءت مع صور الوكالات هي الأخرى لابد أنها تعفنت. فتحت الحقيبة وخلصتها من القذارة. وجدت الرسائل التي وصلتني بالأمس مازالت مغلقة على نفسها. فكرت لحظة أن ألتقط واحدة وأفتحها، لكنني وجدت ذلك سابقا لأوانه. لست أدري لماذا أتت إلى مخيلتي فكرة «انتخابات سابقة لأوانها».
مر القطار الذي يمضي في الاتجاه المعاكس، لاحظت أن مقدمة القطار ملطخة بالدم. لابد أن حيوانا أبله قطع السكة في الوقت غير المناسب. جلب أحد العاملين خرطوم المياه وشرع يرش مقدمة القطار التي تبدو مثل وجه سمين وعابس. كان ضروريا أن يتأخر قطارهم أيضا عن موعده. عندما سأصل إلى العمل سأتصل بصديقة موظفة في البنك. سأدعوها إلى تناول الغذاء في مكان ما. فكرت في الفاتورة وأجلت الفكرة إلى وقت لاحق. النساء يقبلن الدعوات دائما لكنهن يكرهن الفاتورة. والرجل يجب أن يحب الثلاثة في الوقت نفسه. النساء والدعوات والفاتورة.
المهم في كل الأحوال ألا تكون الدعوة قد أتت منك. أو أن تمتنع عن تلبيتها بطريقة لبقة كتلك التي تعتذر بها موظفات الفنادق عندما يرين أن هيئتك لا تشجع على منحك غرفة. حدث هذا معي عدة مرات. لم أكن مصحوبا بأحد. كنت مصحوبا فقط بحقيبتي. الذي يجعلك تغضب هو أنك ترى المفاتيح معلقة تماما خلف رأس موظفة الاستقبال. لكن ابتسامتها الواسعة التي تصاحب اعتذارا مهذبا تحول بينك وبين الغرفة. مر أحدهم وألقى إلي بالتحية. لم أرد عليه لأنني لم أفلح في التعرف عليه. سألني إن كان القطار قد مر أم لا. لكنني كعادتي لم أرد. الأسئلة التي تأتيني من جهات لا أعرفها لا تهمني الإجابة عنها. أصنع كما لو أنني من عالم آخر. هناك من يعيد سؤاله بلغات أجنبية لظنه أنني من بلاد أخرى. لكنني أرفع بصري نحوه وأتأمل وجهه جيدا. النظارات الشمسية تنفع في جعل النظرة أكثر صرامة. كما أنها تتيح لك أن تقوم بمسح بصري شامل لجسم الخصم. سأصل متأخرا عن موعد اجتماع هيئة التحرير. سأجد أن الجميع تسلم مواضيعه وكالعادة سأختار كتابة تقرير عن الأراضي المحتلة. سأحصي الجرحى والشهداء وأبحث عن تصريح لعمرو موسى يعاتب فيه قوات الاحتلال. سأقوم بعملي الفدائي في تحرير فلسطين لدقيقة وثلاثين ثانية في نشرة الأخبار. فهذا أقصى ما يمكن أن نصنع من أجل فلسطين من هنا.
مقاطع من مذكرات شخصية كتبت في أوقات متفرقة ما بين 2000-2007

Admin
Admin

المساهمات : 574
تاريخ التسجيل : 29/02/2008

https://salahsoft.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى