salahsoft
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

|||تانكافت|||

اذهب الى الأسفل

|||تانكافت||| Empty |||تانكافت|||

مُساهمة  Admin الخميس فبراير 19, 2009 4:56 am


خلال تقديمه لأحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في ندوة «المغرب الثقافي والروحي في عمقه الإفريقي» بمعرض الكتاب، لم يترك حسن نجمي، مدير مديرية الكتاب بوزارة الثقافة، نوعا من الصباغة إلا واستعمله. إلى درجة أن التوفيق عندما أخذ الكلمة قال لحسن نجمي في شبه عتاب ساخر أنه صنع معه مثلما تصنع «النكافة» في الأعراس. ويبدو أن مدير مديرية الكتاب تقبل هذه السخرية اللاذعة من مدير الخزانة الوطنية السابق الذي كان قبل الوزارة يسكن في شقة عادية بإقامة ابن سينا قبل أن يترقى طبقيا ويغير شقة ابن سينا بفيلا فسيحة بطريق عين عودة. لكن أحد الحاضرين لم يتقبل هذه الإهانة وأرسل ورقة صغيرة إلى طاولة الضيف يطلب منه فيها أن يسحب كلمة «النكافة» ويعتذر.
والواقع أن الذي يجب أن يعتذر في معرض الكتاب المقام حاليا بالدار البيضاء هو منظمته وزيرة الثقافة ثريا قريطيف. فقد جاء الناس بأطفالهم لكي يطالعوا عناوين الكتب الجديدة فإذا بهم يجدون أنفسهم غارقين في مطالعة شعارات الدكاترة المعطلين التي وجدوها بانتظارهم.
فالهدف من كل معرض للكتاب هو تشجيع الأجيال الصاعدة على القراءة والمطالعة من أجل تنمية المدارك ومساعدة التلاميذ على الدراسة والتحصيل. وفي حالة المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء فإن التلاميذ الذين شاهدوا حوالي 600 دكتور معطل يتجولون في المعرض حاملين لافتاتهم وشواهدهم الجامعية، سيفقدون الرغبة في تحصيل العلم والمعرفة، ما دامت هذه المعرفة قد انتهت بكل هؤلاء المئات من حاملي شواهدها إلى البطالة.
لكن هل تنتج جامعاتنا ومعاهدنا المغربية المعرفة بالفعل أم أنها صارت متخصصة في تخريج العاطلين فقط. حسب تصنيف قام به مختبر «ويبو ميتريك» التابع للمجلس الأعلى للدراسات بإسبانيا، فأول جامعة مغربية يذكرها التصنيف، وهي جامعة القاضي عياض بمراكش، تحتل المرتبة الـ3412 عالميا. وحتى جامعة الأخوين التي تتصارع العائلات الميسورة لتسجيل أبنائها فيها بعشرات الملايين في السنة، تحتل المرتبة الـ4571 عالميا. أما المدرسة المحمدية للمهندسين التي يتخرج منها بناة المغرب الحديث فتحتل المرتبة الـ4183 عالميا.
المفارقة العجيبة في ما قام به 600 دكتور معطل في معرض الكتاب، هي أن البعض يسمي ما قاموا به اقتحاما. فيما أعتقد شخصيا أن الذي اقتحم معرض الكتاب ووزارة الثقافة هو ثريا جبران قريطيف. لأنها استطاعت أن تقتحم أسوار وزارة بدون حاجة إلى شواهد أخرى غير شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فهؤلاء المعطلون على الأقل إذا اقتحموا المعرض «جات معاهم، فاللي ما قاريش فيهم» يحمل شهادة دكتوراه تثبت استكماله لتعليمه الجامعي، بغض النظر عن جودته أو رداءته. فيما وزيرة الثقافة التي تجلس إلى جانب مهندسين ودكاترة وأساتذة في المجلس الحكومي كل أسبوع، غادرت فصول المدرسة مبكرا، ربما حتى قبل أن تحصل على «البروفي».
ولذلك نرى كيف تضمن برنامج المعرض الدولي للكتاب سهرات راقصة «للشيخات والعيوط» في الساحة المقابلة للمعرض، إلى جانب الندوات واللقاءات التي تنظم في أورقته الداخلية. ولذلك نفهم أيضا لماذا انسحب عبد الله العروي من أحد الأنشطة التي كانت مبرمجة لتقديم كتابه الجديد «السنة والإصلاح» لجمهوره الواسع. فهذه أول مرة في تاريخ المعرض الدولي للكتاب يتجاور فيها «ولاد بنعكيدة» مع عبد الله العروي في نفس النشاط الثقافي.
غريب هذا التوجه الحالي في التلفزيون الرسمي والتظاهرات الثقافية الرسمية نحو «تشييخ» الثقافة وإعطاء مجال أوسع لأمسيات «القعدة» و«الجرة» و«العيطة» وباقي فنون الحركات «البوطية»، نسبة إلى «البوط».
في سهرات القناة الثانية يخيل للمرء أنه داخل «حفرة» من حفر البارات الرخيصة وليس أمام قناة عمومية مفروض فيها أن تهذب الذوق العام وترفع من مستوى المنتوج الثقافي الذي تقدمه لدافعي الضرائب.
فالمدير الحالي، واسمه الشيخ سليم، اسم على مسمى، يعتقد أن نسبة المشاهدة العالية التي تعرفها سهرات «هز البوط» تشفع له لكي يستمر في تحويل ليالي السبت إلى مناسبة لدعوة «شيخات» كباريهات الدرجة الرابعة لكي يحركن أردافهن السمينة أمام ملايين المشاهدين.
هناك فهم خاطئ للثقافة والإعلام العمومي ودوريهما في الانتقال بالمغرب من دولة متخلفة إلى دولة في طريق النمو. وأقصى تجليات هذا الفهم الخاطئ تظهر في تعيين ثريا قريطيف وزيرة للثقافة، وتعيين موظف سابق في شركة «الفرماج» مديرا على رأس قناة عمومية كالقناة الثانية أقفلت سنتها العشرين ولازالت تقترف أخطاء المبتدئين.
الثقافة والإعلام في الدول التي تحترم مواطنيها، يسندان إلى شخصيات لديها مرجعيات فكرية وثقافية وازنة، فضلا عن توفر سيرهم الذاتية على مؤلفات وكتابات في المجال الذي ستسند إليهم مسؤولية إدارته. أما في بلد متخلف كالمغرب، يتبرم مسؤولوه من رائحة الثقافة والمثقفين، فيمكن أن تجد مثلا حكماء يجلسون في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لا تتوفر واحدة منهم حتى على شهادة الباكلوريا. مع أن أقل حكيم من حكماء الهيئة العليا للسمعي البصري بفرنسا التي نقل عنها حكماؤنا حرفيا قانونها وطريقة اشتغالها، يتوفر على ثلاثة مؤلفات وأكثر من شهادة أكاديمية وعلمية عريقة.
ولعل أكبر مظهر من مظاهر الجهل بدور المعرفة والقراءة في تقدم البلاد وازدهارها، هو تخصيص ملايير الدراهم لدعم صناعة سينمائية وطنية رديئة، تساهم في نشر الجهل والسطحية ومظاهر التغريب والمسخ الثقافي، وإغفال دعم الكتاب ونشر القراءة. مع العلم أن دعم نشر أمهات الكتب وطبعها على نفقة الدولة يكلف أرخص بكثير من دعم مخرجين سينمائيين بالملايير لإنتاج أفلام لا يساهم بعضها سوى في نشر ثقافة سطحية وحوارات مبتذلة منقولة حرفيا من لغة «السوق» تحت ذريعة الواقعية السينمائية.
ولو أن الدولة وفرت ميزانيات المهرجانات السينمائية التي أصبح يمولها المركز السينمائي سنويا في كل مدينة، وحولت هذه الميزانيات لدعم مهرجانات لتشجيع القراءة ونشر الكتب، لكان أفضل. وعوض تقديم دعم بثلاث مائة مليون سنتيم لمخرج واحد لكي يصور فيلما لن يشاهده أحد آخر سواه، سيكون من المفيد تخصيص هذا المبلغ لطبع عشرات الآلاف من النسخ لمجموعة من الكتب وبيعها بثمن رمزي للعموم، وإهداء بعضها للمكتبات ودور الثقافة في الأحياء الشعبية. هكذا ستشجع الدولة الشعب على القراءة.
فلا خير في أمة لا يقرأ مواطنوها شيئا آخر غير فواتير الهاتف والكهرباء التي تصلهم نهاية كل شهر.
وكم يشعر المرء بالأسى والحزن عندما يقف في محطة للقطار ويتأمل عشرات المسافرين جالسين يطالعون وجوه بعضهم البعض عوض مطالعة كتاب أو جريدة. حتى أصبح منظر مسافر أو مسافرة وهو جالس يقرأ كتابا بانتظار رحلته في محطات المغرب أو حدائقه، شيئا نادرا يستحق تخليده بصورة تذكارية.
إن خلاص المغرب لا يوجد قطعا في تشجيع السياحة ولا في تشجيع الاستثمار الأجنبي ولا في تشجيع الهجرة للرفع من أعداد جاليتنا المقيمة بالخارج. الخلاص يوجد في المعرفة. والمعرفة تبدأ بالقراءة، ومجتمع لا يقرأ محكوم عليه بالجهل، والجاهل يبقى طيلة حياته عبدا لمن يمتلك المعرفة.
إن المهمة الرئيسية للدولة اليوم هي تشجيع القراءة والمعرفة. وهذه العملية لا يمكن أن تنجح بوجود أشخاص يفتقرون إلى هذه الخصال على رأس المؤسسات الثقافية والإعلامية العمومية. ففاقد الشيء لا يعطيه.
يجب إعادة الاعتبار للثقافة، وذلك بإسناد مسؤوليتها للذين يستحقونها فعلا. وإلا سيتحول المعرض الدولي للكتاب إلى معرض وطني للبطالة، والندوات الفكرية إلى سهرات يحييها «حجيب» والشابة «الزهوانية»، والتلفزيون العمومي إلى علبة ليلية يرتادها نجوم «زيد دردك عاود دردك».

Admin
Admin

المساهمات : 574
تاريخ التسجيل : 29/02/2008

https://salahsoft.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى