salahsoft
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المفاجأة السورية

اذهب الى الأسفل

المفاجأة السورية Empty المفاجأة السورية

مُساهمة  Admin الإثنين مايو 26, 2008 5:01 am

المفاجأة السورية

الإعلان المفاجئ الذي صدر يوم أمس في كل من دمشق وتل أبيب حول انخراط حكومتي العاصمتين في مباحثات سلام غير مباشرة بوساطة تركية يشكل انعكاسا صادقا لحالة الغموض في بعض جوانب السياسات السورية التي تستعصي على الفهم، فهمنا نحن على الأقل.
فالحكومة السورية، ظلت على مدى السنوات الخمس الماضية تطرح نفسها على أنها زعيمة دول الممانعة في المنطقة العربية، وتقف في المعسكر المقابل لمشاريع الهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية، وتحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية، وتنسج تحالفا استراتيجيا مع إيران العمود الفقري لمحور الشر وفق التصنيف الأمريكي، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو عن أسباب هذا التحول السياسي السوري المفاجئ وما إذا كان تحولا جديا استراتيجيا، أم إنه من قبيل التكتيك وشراء الوقت؟
التصريحات التي أدلى بها السيد وليد المعلم، وزير الخارجية ومهندس الدبلوماسية السورية الحديثة، أضافت المزيد من الغموض عندما قال إن بلاده مستعدة لمفاوضات مباشرة مع الطرف الإسرائيلي إذا ما أحرزت مفاوضات أنقرة التي ترعاها الحكومة التركية، ورجب طيب أردوغان شخصيا، التقدم المأمول.
البيان الرسمي السوري أكد أن الطرف الإسرائيلي أعرب عن استعداده للانسحاب الكامل من هضبة الجولان السورية إلى حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وهو استعداد شككت فيه مصادر إسرائيلية مقربة من حكومة إيهود أولمرت. ولكن ما لم يقله البيان هو المقابل الذي يمكن أن تحصل عليه حكومة إيهود أولمرت إذا ما انسحبت من هضبة الجولان بالكامل، وهو مكلف بكل المقاييس لسوريا.
توقيت الإعلان عن هذه المفاوضات غير المباشرة، التي يمكن أن تصبح مباشرة في أي وقت، محير أيضا، فعلاوة على تزامنه مع نجاح أمير قطر في إنجاز اتفاق كان يبدو شبه مستحيل لتسوية الأزمة اللبنانية، وإبعاد شبح الحرب الأهلية، وقعته القيادات السياسية اللبنانية جميعا دون أي تحفظات، فإنه يأتي في وقت يواجه فيه إيهود أولمرت رئيس الوزراء فضيحة رشاوى مالية يحقق فيها البوليس حاليا، ويعتقد الكثيرون أنها ربما تؤدي إلى الإطاحة به من موقعه الحالي، وتنهي حياته السياسية كليا.
ولا نعرف ما إذا كان المسؤولون السوريون الذين يشجعون هذه المفاوضات، ويتحمسون لتطويرها لكي تنتقل إلى العلن، وعقد لقاءات مباشرة، قد اضطلعوا على تفاصيل التجربة التفاوضية الفلسطينية، وخيبات الأمل التي أصابت سلطة رام الله من جراء تعثرها، حتى يستخلصوا الدروس والعبر قبل الوقوع في المصيدة نفسها، وهم الذين بنوا شرعية وجودهم على التميز والتشدد في التمسك بالثوابت العربية بشكل عام، والسورية بشكل خاص.
فالسيد محمود عباس رئيس السلطة عقد أكثر من سبعة عشر لقاء مباشرا، ومعظمها مغلق، مع أولمرت في القدس المحتلة، كما زارت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الراعية لهذه المفاوضات المنطقة أكثر من أربع عشرة مرة في الأشهر العشرين الماضية، ومع ذلك لم يحدث أي تقدم حقيقي في أي من القضايا المطروحة، بما في ذلك القضايا السهلة وشبه المحسومة مثل المياه والحدود. وفشلت هذه المفاوضات في تفكيك مستوطنة، أو منع البناء في أخرى، أو حتى تفكيك حاجز في الضفة.
الأرجح أن الطرفين، السوري والإسرائيلي، يريدان شراء الوقت، وتخفيف الضغوط التي تمارس عليهما. فالطرف السوري يريد كسر عزلته العربية والدولية عبر البوابة الإسرائيلية، ويحاول التقرب من خلالها إلى واشنطن، لامتصاص سموم الإدارة الحالية المعادية تماما للنظام السوري، وهذا ما يفسر المرونة التي أبداها تجاه حوارات الدوحة، ومساهمته بفاعلية في إنجاح الوساطة القطرية، وإقناع وفد المعارضة بالقبول بالاتفاق.
أما أولمرت، فيعيش هذه الأيام أسوأ أيامه، ويريد من خلال فتح قناة التفاوض مع سوريا تحويل الأنظار عن أزماته الداخلية، والإيحاء بأنه زعيم قوي قادر على صنع السلام مع جيرانه، وسوريا العدو اللدود على وجه التحديد.
يظل هناك من يجادل بأن الحكومة السورية أيضا ضعيفة، وظلت طوال الأعوام الثلاثة الماضية ترسل الإشارات والمبعوثين إلى إسرائيل طلبا للتفاوض، وبلغ هذا الضعف ذروته عندما أغارت الطائرات الإسرائيلية على ما يعتقد أنها منشأة نووية قرب مدينة دير الزور في الشمال الشرقي، ونجحت في تدميرها دون أن يعترضها أحد، تلاها نجاح الاستخبارات الإسرائيلية، حسب الرواية السورية، في اغتيال الراحل عماد مغنية قائد الجناح العسكري للمقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله) في قلب مدينة دمشق، وفي منطقة تعتبر الأكثر تحصينا فيها.
وفوق كل هذا وذاك، الحصار الأمريكي المفروض عليها والأزمة الاقتصادية التي تعيشها بسبب الفساد والغلاء.
وسواء كان الخيار السوري التفاوضي من موقع ضعف أو قوة، فإنه خيار ينطوي على مقامرة، ربما تأتي بنتائج عكسية تماما. فدخول سوريا في مفاوضات مباشرة غير مضمونة النتائج سيحرمها من ورقة قوية طالما استخدمتها بنجاح في وجه معارضيها، خاصة في لبنان، وهي ورقة الممانعة والتمسك بالثوابت القومية، واتهام الآخرين، بالتالي، بالتفريط بهذه الثوابت.
النظام السوري يستطيع العيش لسنوات عديدة آمنا مستقرا مع بقاء هضبة الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي، مثلما كان عليه الحال طوال الأربعين عاما الماضية، ولكن الحال ربما لا يكون كذلك إذا قبل بسلام أعرج مثقل بالقيود الإسرائيلية المنتقصة من السيادة السورية، وأصبح حاله مثل حال الأنظمة العربية الأخرى التي لم تجن من السلام ومعاهداته غير الحنظل من خلال الرضوخ للشروط الإسرائيلية (الشيلوكية) المهينة.
وحتى لو افترضنا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية مستعدة، ثم بعد ذلك قادرة على توقيع اتفاق سلام مع سوريا يعيد إليها هضبة الجولان، فإنها ستطالب بطرد الفصائل الفلسطينية وقياداتها المقيمة في دمشق، والتخلي بالكامل عن أي تحالف أو دعم لحزب الله في لبنان، وفصم عرى التحالف كليا مع إيران، والانخراط في عملية تطبيع ساخن مع الدولة العبرية، لأن التطبيع البارد مع مصر لن يتكرر حسب التصريحات الإسرائيلية، وأخيرا القبول بالهضبة منزوعة السلاح، ووجود قوات وأجهزة مراقبة أمريكية أو دولية.
هذا المقابل سيعني إعادة صياغة كاملة لسوريا وتاريخها وسياساتها وتحالفاتها، ونسفا كاملا لسنوات من الخطاب الإعلامي والتربية السياسية. وهي عملية تغيير جذري وليست عملية تغيير تجميلية سطحية، ليس فقط للنظام الحاكم، وإنما للبنية التحتية البشرية والاجتماعية والعقلية السورية.
نشك أن يقبل النظام الحالي بالتغيير الجذري المطروح عليه حاليا، والذي هو أعمق من تغيير الجلد فقط، مثلما نشك في وجود مناخ حقيقي في المنطقة يدفع باتجاه السلام، بل ما نراه هو تهيئة كاملة لمسرح حرب إقليمية شاملة قد تبدأ باجتياح قطاع غزة، وتنتقل بعد ذلك إلى لبنان لجر إيران وسوريا إلى مصيدتها. فالرئيس بوش وأد العملية السلمية أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، واعتمد إسرائيل حليفا أساسيا، وربما الشريك الذي يعتمد عليه في حربه المقبلة إذا ما تقرر إطلاق رصاصتها الأولى.
الرئيس الراحل حافظ الأسد ظل يكرر دائما أنه لن يوقع اتفاق سلام مع إسرائيل طيلة فترة حياته، ليس لأنه ضد السلام، ولكن لأنه يعلم جيدا مخاطره على بلاده والمنطقة، والشروط المهينة المرتبطة به، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو على العهد. ولا يخامرنا شك أنه أوصى بالموقف نفسه، إلى نجله الذي نقل إليه هذا الإرث الضخم، والسؤال الآن هو: هل سيتم العمل بهذه الوصية، أو تمزيقها تحت عنوان الحفاظ على النظام.. الأشهر القليلة المقبلة ستجيب عن هذا التساؤل.

Admin
Admin

المساهمات : 574
تاريخ التسجيل : 29/02/2008

https://salahsoft.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى